قديس والكرملين يجتمعان.. لماذا يتحالف بوتين مع الكنيسة الأرثوذكسية؟
سياسة
الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024  18:00:26
 
 
القديس و الكرملين

كان الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين قصيرا لا يتجاوز طوله 170 سنتيمترا على الأرجح، إلى درجة أن الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان كان يصفه بـ"الرجل الصغير"، لكن ستالين في المقابل كان يرى نفسه عملاقا، لذا فإنه نشر تماثيله الضخمة في كل مكان بوصفها طريقة لإعادة تعريف ذاته، ليس على مستوى الهيئة الجسمانية فقط، ولكن أيضا على صعيد الهيبة والتأثير.

وكان ذلك جزءا من الهالة التي رسمها الزعيم البلشفي لنفسه طول مسيرته السياسية، وتضمنت تغيير لقبه إلى "ستالين" الذي يعني "الصلب" أو "الحديدي" رغبة منه في تصدير شعور بالقوة يبدأ من مجرد ذكر اسمه فقط.

وفي أعقاب صعوده إلى السلطة، رسخ ستالين نظاما شيوعيا استبداديا معاديا للأديان في ظاهره وجوهره، وربما كانت تلك إحدى الطرق التي تنكَّر بها ستالين ورفاقه إلى ماضي بلادهم "القيصري".

لكن للمفارقة، وضع ستالين نفسه بمنزلة "إله" مكتمل الربوبية، وكان مريدوه يرونه أشبه بـ"نصف إله"، يحاصر فئة من الناس في المدن أو في المعسكرات الباردة التي تفوح منها رائحة القهر والموت، ويستحيي الباقين شاكرين له على النعم التي تأتي أحيانا قليلة وتغيب في أحايين كثيرة بسبب البيروقراطية وأسلوب الحياة السوفياتي الذي طالما قدَّم مصلحة الدولة والسلطة على الإنسان.

لم يكن للدين أي مكان يُذكر في هذا الفضاء الذي يتنكَّر للمقدس السماوي، حتى إنه اعتُبر عدوا للثورة والتقدم والازدهار، وأصبحت الشيوعية السوفياتية، في أحد معانيها، مرادفا للإلحاد القسري الذي واجه جميع أشكال التدين بالقهر الفكري والعنف الجسدي.

ولكن حين انهار الاتحاد السوفياتي، وانهارت معه الأيديولوجية الشيوعية في نسختها الأكثر تطرفا، عاد الدين إلى صدارة المشهد في كل مكان كان يحكمه الرفاق، مات ستالين، ومات مَن خلفوه، وتغيرت الأوضاع.

وجاء حاكم جديد ليسكن الكرملين حاملا معه وصفة جديدة للسلطة، فهو يتحرك وفق أحلام الاتحاد السوفياتي القديمة القائمة على القوة، يحملها في يده الأولى، أما اليد الثانية فيحمل فيها صليبا يُعَدُّ علامة على "دولة جديدة" تلعب فيها الكنيسة دور الحصان الأسود في طموحات قيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين.

فبخلاف دورها الديني وتشذيبها للهوية الروسية في مواجهة الغرب فكريا وروحيًا، كان للكنيسة دور سياسي بارز في التدخل العسكري الروسي في سوريا، حينما رحبت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عام 2015 بشن غارات جوية في سوريا، واصفة القتال هناك بأنه "معركة مقدسة". وامتد هذا الدور في مختلف المعارك والحروب الروسية الأخرى، تماما مثل ما يجري اليوم في الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.

 

 

 
 
الرئيسية
موقع فناة ليبيا الوطنبة